الجمعة، 7 مارس 2014

جيل اليوم وثقافة الحقوق

الحصة الخامسة في غرفة المعلمات وبعيداً عن ضغوط العمل وتراكم المهمات بدأت مجموعة من الزميلات يتجاذبن أطراف الحديث ويتبادلن خبراتهن في الطهي وإعداد الأطباق الشهية لأفراد أسرهن 
أثناء ذلك كانت المعلمة نورة تجلس في زاوية الغرفة منهمكة في تصحيح كراسات طالباتها وكتبهن لكن هذا لم يمنعها من وضع قلمها الأحمر جانباً ومشاركتهن الحديث قائلة : أنا أعاني من اختلاف الأذواق بين أفراد عائلتي فعلى سبيل المثال لو طهوت طبق المكرونة على العشاء فابنتي الكبرى تريدها مسلوقة بدون أية إضافات ،والوسطى تُفضّلها في صينية مع اللحم المفروم في الفرن 
،أما ابني المراهق فإن لم تكن المكرونة حمراء مع الصلصة والدجاج فلن يقبلها مطلقاً!
لذا فأنا اضطر مرغمة لتلبية جميع طلباتهم حتى لا أتلقَّى الملامة من أحدهم! 
لم تكد تُنهي كلامها حتى بادرتها زميلة أخرى وقالت : وأنت  كيف تفضلينها يا نوره !!
تنهدت قليلاً ثم قالت : آآآه ..لا تسأليني .. الله يرحم الحال!! 

إن المعلمة نورة ماهي إلا نسخة مُكررة لمعظم الأمهات في وقتنا الحاضر ، وأبناؤها مشابهين لكثير من أبناء هذا الجيل .
جيل متطلب أناني يطالب بحقوقه كاملة دون أي نقص بينما لا يعرف شيئاً عن واجباته !! جيل أغرقناه بالرفاهية حتى فقدت كل معانيها فأصبحت روتيناً مُملاً يُكبّلهم بقيود الطفش والملل التي لا يكاد أحد منهم إلا ويشكو منها !!

اعزائي ...ألا تتفقون معي أن نوره وأمثالها هن مصدر الخلل في ذلك ؟.!

نعم ..فهي لم تُربي أبناءها كما ربّاها والداها حيث تعتقد -وغيرها كثير-أن تلك التربية لم تعد مُجدية في وقتنا الحاضر تلك التربية التي كانت تجعل جميع أفراد الأسرة يتحلقون حول صنف واحد من الطعام ويكفيهم ثناء والدهم ورضا جدتهم على طبخ والدتهم بأن يلتهموا كل ما يُقدّم إليهم دون أدنى تفكير بالاعتراض أو التغيير يصاحبهم مع ذلك شعور داخلي بالرضا والسعادة! 
لقد كان تحقيق إعجاب الوالدين وكبار السن كالأجداد والأعمام - آنذاك- هو أقصى أمانيهم فنجدهم يتسابقون على خدمتهم وطلب ودّهم ورضاهم . فتكاملت عندها حلقات السلسة التربوية فالصغار يستجيبون للكبار ويقدّرونهم فكان المجتمع متماسكاً قوياً يصعب التأثير عليه والمساس بشيء من ثوابته . 

أما الآن فالأمر مختلف تماماً فالوالدان همهما الوحيد هو السعي الحثيث لتلبية طلبات أبنائهم أيَّا كانت والمسارعة في مكافأتهم على أي شيء يفعلونه وإن كان من صميم واجباتهم!
 فانقلبت الآية وانتكس الوضع فصار الآباء يطلبون رضا أبنائهم ويحاولون جاهدين كسب محبتهم ونيل إعجابهم -وعلى سبيل المثال - فلقد أصبح مألوفاً لدينا وفي أغلب اجتماعاتنا العائلية أن نجد الأمهات

 يقمن بالتخديم على الحاضرين والقيام بواجب الضيافة كالشاي والقهوة بينما تتربع بناتهن مع الضيوف بانتظار الخدمة وتقديم الضيافة من الأم والتي تبدو - مع الأسف - ممتنة سعيدة لمجرد أن ابنتها جاملتها ورضيت بالجلوس مع الضيوف ! 

كما نجد أن بعض الأمهات قد تطور الأمر عندها تطوراً خطيراً لدرجة مقاطعة بعض أقاربها وعزوفها عن حضور مناسباتهم لمجرد أنهم لا يروقون لبناتها ولا تستهويهن اجتماعاتهم ،بينما أبواب بيتها مفتوحة على مصراعيها لصديقات وزميلات بناتها !

أي خلل هذا الذي سعينا إليه وبادرنا إلى تطبيقه ؟!

نعم لقد عزّزنا في هذا الجيل ثقافة المطالبة بالحقوق لكننا نسينا أو تناسينا أن نوازن بين كفتي الميزان وذلك أن حصولهم على هذه الحقوق لابد أن يقابلها أداؤهم للواجبات حتّى لا يكون هناك خلل في ميزاننا الاجتماعي ! 

وهذا ما يفسر - من وجهة نظري-كثرة حالات الطلاق بين أبناء هذا الجيل الذي لم يعد قادراً على تحمل مسؤولية نفسه فكيف به يتحمل مسؤولية غيره !!

 كما نلحظ كذلك التدهور الملحوظ في التعليم وذلك عندما أوحينا لطلابنا - بشكل أو بآخر- أن من حقّهم تقييم معلميهم والحكم عليهم بل قد يصل الأمر أحياناً إلى التطاول عليهم إما لفظياً أو جسدياً. 

إذن ..لنعيد ترتيب أوراقنا ولا نكتفي بكيل الاتهامات لهذا الجيل والتباكي على حاله ؟! ولندرك أننا السبب الرئيس في هذه المشكلة - وإن لم نقصد- ولنبدأ الحل من ذواتنا ،ومن تغيير طريقة تفكيرنا لأننا إذا اكتشفنا المشكلة فلن نتعب كثيراً في إيجاد الحلول ففي شريعتنا الإسلامية ودعوتها الراقية إلى التوسط في كل الأمور، ومراعاتها التربوية للحقوق والواجبات ما يغنينا عن البحث في أصول ووسائل التربية الحديثة أو القديمة فبين يديها الحل الناجع لكل هذه المشكلات .

لن يتطلب منَّا الأمر إلا الاقتناع بوجود مشكلة أولاً ثم البدء بتنفيذ الحلول .. فهل من مشمِّر ؟! 


بقلم : ميسون الرميح




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اليوم الوطني السعودي 89

احتفلت المتوسطة الخامسة بالقطيف باليوم الوطني 89  جانب من اركان الحفل : ...