الاثنين، 30 يونيو 2014

ألهاكم التكاثر.. حتى زرتم المقابر..

قبل سنتين انتشر كاريكاتير يظهر صورة الأم توقف الأسرة عن تناول الطعام حتى تصور السفرة باحترافية للانستقرام.. ضحكنا يومها..
ثم أصبحت قديمة و..بايخة.. لأنها معتادة جداً وهي مشهد نراه باستمرار.. بل نمارسه أحياناً عفويا..

توقعنا أن تخف الظاهرة أو تنتهي.. لكنها للأسف تطورت.. وتطورت..
بدأ الناس بشراء الأطقم والصحون والتحف والكيك الفاخر فقط ليصوروا وينشروها في الانستقرام..
ثم تطور الهوس لمرحلة أن تغلف بعض الفتيات الهدايا وتضع إهداء لنفسها.. لتكتب تحته تعليقا.. "واوو شكرا روري على الهدية مرة نايس" - حيث روري شخصية مجهولة تدعي صاحبة الحساب أنها صديقتها التي تغدق عليها بالهدايا (وهذه القصة ليست من نسج الخيال بل اعترفت لي بها إحدى الفتيات طلباً لحل مشكلتها مع سؤال أقاربها وزميلاتها عن هذه الروري)..
وتطور حتى وصل لحساب يبيع الأكياس الورقية للماركات لمن يريد أن يضعها في صوره ليوهم الناس أنه اشترى..!!

إن ما يحصل في انستقرام.. ليس ناتجا عنه كوسيلة إعلام اجتماعي صوري..
فهو مجرد وسيلة.. كان بالإمكان استخدامها في أمور لطيفة ومفيدة.. كتصوير بساطة الحياة.. وجمالياتها العفوية والطبيعية..
ضحكة طفل.. غروب شمس.. مبنى تراثي جميل.. تصوير طبيعة الحياة في مدينة.. نقل تراث.. عمل فني.. 
أو لنقد أخطاء.. ومناقشتها..

لكنه تحول لدينا فجأة.. إلى فضاء عام تم استغلاله بقوة لإظهار الترف والرفاهية والسعادة.. 
أصبح كقاعة أو معرض نبرز فيها ذواتنا..
للأسف.. استغل الناس وبالذات النساء انستقرام كفضاء عام يتنافسن فيه ويحاولن صنع "قيمة"  لأنفسهن بالشيء الوحيد الذي يمتلكنه.. .. المادة..  مال.. سفر.. قصور.. مطاعم فاخرة.. مقتنيات ثمينة.. مظهر (ويستبدل بمظهر طفلة أحياناً)..

فانتشرت حسابات.. لا هم لها سوى إظهار نفسها كأيقونة للرفاهية والترف السعادة..
سواء أكانت هذه الرفاهية حقيقية أم مصطنعة.. 
كل ما تدور في فلكه هذه الحسابات.. هو.. الجمال.. الرفاهية.. الترف.. الكمال!

تصور المنازل بالأثاث الفاخر.. الأطفال الكاملي الجمال.. الهدايا الثمينة.. رحلات السفر الخيالية.. الصحون الغريبة..  
وانجذب الناس كالمغناطيس لهذه الحسابات..
لم يكن أحد يشعر.. أن هذا.. هو مرض.. الاستهلاكية.. ينتشر بالتدريج كعدوى قاتلة ..

وهو لا يصيب إلا أولئك الفارغين.. الذين ليس لديهم ما يتميزون به سوى مايملكونه من مادة.. فقط..
ليس هناك فكر.. ولا ثقافة.. ولا أهداف.. ولا هوية..
المصحف تضعه فقط قرب المسباح والمبخرة الفاخرة لصورة احترافية في يوم الجمعة أو رمضان..
الكتاب أصبح مجرد ديكور تضعه الفتاة قرب الوردة وكوب اللاتيه.. ليظهرها بمظهر المثقفة..


هذه الاستهلاكية المقيتة.. التي جعلت الناس يتنافسون بشدة على الشراء والشراء.. كمخلوقات مبرمجة:
لنشتري.. نشتري.. لنتنافس.. من الأفضل؟  من يملك مادة أكثر..؟
أثاث.. صحون.. ملابس.. حقائب.. سيارات.. سفر.. مطاعم.. هدايا..

من الذي يستفيد من استهلاكنا المحموم؟
إلى أين تذهب هذه الأموال؟
إلى الشركات العملاقة التي تمتص جيوبنا من جهة.. ثم ترسل لنا المزيد من الرسائل الساحرة من جهات أخرى..

ونبقى نحن ندور داخل فلك الاستهلاك..  
نشتري.. ونعرض.. يرانا غيرنا.. ويغار.. ويقلد.. ويشتري..
ونراهم ونغار ونقلد.. وهكذا..
نتضايق.. ونشعر بأن حياتنا قد ملأتها القيود والرسميات..
نتعب.. ونتألم..   لكننا لا ننفك عن أن ندور..  كقطيع.. يدور وقد وضع الأغلال في يديه.. ويدور.. ويدور..

حتى تمضي بنا الحياة..
وننسى صوتاً ندياً.. يقول لنا:

ألهاكم التكاثر.. حتى زرتم المقابر..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اليوم الوطني السعودي 89

احتفلت المتوسطة الخامسة بالقطيف باليوم الوطني 89  جانب من اركان الحفل : ...