الأربعاء، 10 فبراير 2016

الرحيل لزمن العمالقة

بقلم : اشتياق ال سيف 

9/2/2016

لأنني على يقين ان الفكر مرآة العقل و ان الأرواح تتعانق بتآلف التوجهات و الميول فبها نلتقي و بالأفكار  نجتمع و نكمل بعضنا البعض و ترتبط القلوب برابط المحبة الغير مشروطة كما كان أهلنا في قرية كاملة قلبا واحدا و بيتا واحد يجمعهم في غالب الأوقات و توجها سائدا لدى الجميع مما يتعارف عليه و يكون مألوفا لدى الغالبية ،  لذلك تستهويني الكتابة عن الماضي الجميل و استعذب الإبحار في اعماقه و ابحث في دهاليز الزمن عما يصلني به وصلة روحية أحلق خلالها في زمن نبكيه و نراه بقايا أطلال  و سوالف شعبية نهوى تصفحها بين الحين و الآخر .

على هامش الأعداد لمهرجان القيم و المبادئ سوف نلتقي قريبا كي  نضع على سفرة ديرة الطيبين كل ما لذ و طاب من عبق الماضي و رائحة الأجداد التي تزيدنا حنينا لها صعوبة الحياة في الزمن الحاضر و ابتعاد بعض القلوب عن بعضها الآخر و التلون بألوان الانانية التي لم نشعر بها   في طفولتنا فقد كان الجيران عائلة متماسكة تعرف كل تفاصيل حياة أفرادها و تشاركها افراحها و احزانها..
في كل يوم تجد بعض الجيران    يفترشون الطرقات على عتبات  بيوتهم الطينية الجميلة و يتناولون فيها القهوة و أشهى الحلويات و انفعها ..الرطب او تمرات معتقة مخزنة شهورا طويلة  في سلات الخوص التي يصنعونها بأيديهم و هم يتفكهون بأطيب الأحاديث .. 

اشتاق إلى ( سوابيط ) الديرة و ( زرانيقها ) ..احن الى تلك  البيوت التي لا زال بعضها آثارا تحكي قصة ماض جميل لن يندثر بكل تفاصيله التي نهرع اليها بين الحين و الاخر حين  تجلدنا سياط المدنية و التقدم المادي الذي شوه هويتنا و اثر على تقدمنا المعنوي و الفكري .. اشتاق  لأصوات الديكة مع أذان الفجر الذي يعلو بصوت  احد الجيران لبيت  جدي ( البيت العود ) الذي لا زال معلما من معالم الديرة و مقصدا لكل اهلها .. أذكر أشياء جميلة تنم عن نفوس طيبة معطاءة تملك من النوايا الحسنة كما لدى الأطفال براءتهم ..

لقد كتبت كثيرا عن الماضي الجميل و التراث الأصيل لأنني أجده أجمل الأزمنة و قد نشأت خلاله في اروع الأمكنة و أقربها إلى قلبي إلى ان افارق الدنيا ..ستظل الديرة مسقط رأسي و الأرض التي درجت عليها و خطوت اولى خطواتي و تعثرت في طرقاتها الرملية الضيقة  أجمل الأماكن و أروع من كل المحطات السياحية التي تنقلت عبر مطاراتها و رأيت من جمال الطبيعة و عمران المدنية و عجائب الدنيا ما بقي في ذاكرتي لكنه يبقى سفرا أعود بعده بكل اللهفة و الحنين  إلى رائحة أرض طيبة لا تشبه أي مكان بكل آثارها بقلعة شامخة لا زالت تتحدى كل عوامل الزمن لتبقى شاهدة على تاريخ مجيد لطالما توافد له عشاق الآثار و هواة الماضي و من يستشعر لذة عبق الاصالة و روعة الزمن الذي لن يتكرر لا بأهله و لا بأحداثه و لم تكن به إلا الخير و الانسانية  عراقة القيم و المبادئ الإنسانية. 

أظنني لن انتهي من الكتابة عن الماضي الجميل لأنه العالم الذي ألوذ بنفسي بالأبحار إليه في جزيرة  شهدت نشأة عمالقة رحلوا و بقت آثارهم التي سطرت سجلا رائعا لا ينسى ..ربما أشعر بكل الحنين إليه حين ترهقني الفروقات الكبيرة بين زمني كحفيدة و زمن ابنتي ..شتان بين الزمنين  في العلاقات و الاهتمامات و الطموحات .. أكتفي بالقول أنني لا أشعر بالانتماء لهذا الزمن على الرغم أنني أحقق فيه ذاتي و طموحاتي و استثمر كل سبل المدنية لحياة أفضل و أكثر سهولة و أكثر ترفيه و متعة ..لكنني أعشق طفولتي التي وجدت فيها ما لا أراه في هذا الزمن  من قيم الأصالة و المشاركة المجتمعية و حسن الجوار و الانصهار في بوتقة الإيثار و التضحية و ليس الأنا المقيتة و اللهاث في سباق محموم  الى مالا نهاية له إلا التراب .. .. 

بقلم اشتياق ال سيف  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اليوم الوطني السعودي 89

احتفلت المتوسطة الخامسة بالقطيف باليوم الوطني 89  جانب من اركان الحفل : ...